نظرات حول هزيمة المسلمين في غزوتي أحد وحنين
عندما هُزم المسلمون فى غزوة أحد، حتى شُجّ رأس النبى عليه السلام، ثم فى غزوة حنين، وعندما عُقد لواء النصر للمشركين فى هاتين الغزوتين، لم يكن لنقص فى إيمان المسلمين، وبينهم صحابة النبى، أعرف أهل الأرض بالدين وأحبهم إلى الله. وعلى رأسهم محمد رسول الله، بشخصه ووزنه الهائل فى الدنيا والآخرة، كما أن هذا النصر لم يكن انحيازا للمشركين، ولكنه كان لأسباب موضوعية بحتة.
فى أُحُد ذهب فريق من فرسان المسلمين وراء الغنائم، وتركوا ثغرة فى مقدمة جيش المسلمين نفذ منها المشركون وحققوا نصرهم.
وفى حنين أصاب المسلمين بعض الغرور («أعجبتهم كثرتهم» بتعبير القرآن) فتقاعسوا فى القتال، وكانت النتيجة لصالح المشركين.
فى الغزوتين لم يكن العامل الحاسم فى النصر أو الهزيمة هو الإسلام أو الشرك، لم يكن حب الله لنبيه وصحبه، وبغضه سبحانه للأوثان، لم ترجّح كفةٌ لافتات مرفوعة أو حقوقا مكتسبة، ولكن العامل الحاسم فى النصر أو الهزيمة هو الأداء الجيد، هو استثمار عناصر الموقف إيجابيا لصالح الهدف المرجو.
نعم، إن الإيمان الذى وقر فى القلب، والذى صدقه العمل -إذا استخدمنا كلمات الحديث الشريف- عندما اجتمعا لم تقف قوة فى الأرض أمام المسلمين، لكن الإيمان بغير عمل كما ينبغى، لم يغن عن المسلمين شيئا، ولم يحُل دون أن ينفذ قانون السماء العادل المنزه عن أى انحياز…
حتى لنبي الله وصفيه وصحابته الأبرار! فى أول رسالة «الحسبة»، يقول شيخ الإسلام أبو العباس بن تيمية: {إن الناس لم يتنازعوا فى أن عاقبة الظلم وخيمة، وعاقبة العدل كريمة، ولهذا يروى أن الله ينصر الدولة العادلة وإن كانت كافرة، ولا ينصر الدولة الظالمة وإن كانت مؤمنة!} والكلام غنى عن أى تعقيب!.
أولا : معركة أحد
فالآيات التي ذكرت غزوة أحد في سورة آل عمران تذكير للمؤمنين بما وقع فيها حتى يعتبروا ويعتصموا بحبل الله جميعاً ولا يتفرقوا , من قول الله تعالى: {وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (121) إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلَا وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (122) وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (123) إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلَاثَةِ آَلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُنْزَلِينَ (124) بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آَلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ (125) وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (126) لِيَقْطَعَ طَرَفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَوْ يَكْبِتَهُمْ فَيَنْقَلِبُوا خَائِبِينَ (127) لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ (128) وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (129)} .
كانت لهزيمة المسلمين في احد معاني سيظل التاريخ يذكرها وتتجدد أمامنا حتى نستطيع دائما أن نستخلص الدروس المستفادة من هذه الغزوة التي هي دائما محط الأنظار , هي الغزوة التي استشهد فيها خير الشهداء حمزة بن عبد المطلب وكاد النبي أن يقتل حين ضربه أبن قمئة علي رأسه بالسيف فدخل حديد خوذة النبي في رأسه وفي اغلب السير تقول بان وجه النبي تغير بعد هذه الغزوة نتيجة لهذه الضربة التي تلقاها .
هل يعقل أن يهزم المسلمون ورسول الله بينهم ؟ الإجابة المنطقية انه لا يهزم جيش به رسول الله , ولكن الواقع أنهم هزموا وكان النبي في طليعة المحاربين بل وكاد أن يقتل نفسه وتناثرت إشاعة تقول انه قتل وكان الشهيد وقتها مصعب بن عمير, وفي معني الهزيمة معني خطير وعظيم , أن غزوه احد دليلا قاطعا بان المسلمين إذا يوما فكروا في الدنيا وأصبحت الدنيا محط الاهتمام الأخير فإنهم لن يتمكنوا من قياده الأرض ولن ينجحوا في قيادة سفينة النصر حتى وان كان فينا رسول الله حيا يرزق.
فالإسلام دين العلم والعمل لا دين العبادة فقط العبادة هي الجناح الأول للنهضة والعمل والنجاح في الدنيا هي الجناح الثاني ونحن اكتفينا بجناح واحد وتركنا الثاني للغرب بكامل إرادتنا ونحن تركناه علي القول الخاطئ بان لهم الدنيا ونحن لنا الآخرة لكننا واهمون
الجناح الثاني لنا لا يمكن أن نتخلى عنه ونحن آثمون لأننا تركناه وسنحاسب علي ذلك ولهذا أصبحنا الآن في قاع الأمم والأمة لا تطير وتحلق بجناح واحد مهما كانت عظمته وقوته فلماذا تركنا جناحا وأصبحنا نتمنى الطيران بالجناح الآخر .
ثانيا : معركة حنين
غزوة حنين ذكرها الله عز وجل في آيتين من سورة التوبة في قوله تعالي :
{لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ (25) ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ (26)}.
بعد أن فتح المسلمون مكة ، انزعجت القبائل المجاورة لقريش من انتصار المسلمين على قريش , وقالوا لنغز محمداً قبل أن يغزونا , لما علم الرسول بذلك خرج إليهم مع أصحابه , وكان عدد المسلمين اثني عشر ألفاً من المجاهدين , ونظر المسلمون إلى جيشهم الكبير فاغتروا بالكثرة وقالوا لن نغلب اليوم من قلة , وبلغ العدو خبر خروج المسلمين إليهم فأقاموا كميناً للمسلمين عند مدخل وادي أوطاس ( قرب الطائف ) وكان عددهم عشرين ألفاً , وعندما خيّم الظلام على وادي حنين السحيق فوجئ المسلمون بوابل من السهام تنهال عليهم من كل مكان . فطاش صوابها ، واهتزت صفوفهم ، وفر عددٌ منهم .
ولما رأى الرسول هزيمة المسلمين نادى فيهم يقول :
أنا النبي لا كذب ,,, أنا ابن عبد المطلب . وانتظم الجيش مرةً أخرى ، واشتد القتال . وأشرف الرسول على المعركة . وما هي إلا ساعة حتى انهزم المشركون وهكذا تحولت الهزيمة إلى نصر بإذن الله تعالى وبلغ عدد الأسرى من الكفار في ذلك اليوم ستة آلاف أسير .
إن الكثرة و القلة ليست عليهما مدار النصر والهزيمة في المعارك الحربية. و الاغترار بالقوة أول طريق الهلاك و أن الاغترار بالكثرة و الزهد في القلة من أعمال الجاهلية .
و الله يعطي الدنيا لمن يحب ولمن لا يحب ولا يعطي الدين إلا لمن يحب وهذا يفيد أن العطاء الدنيوي من زينة الحياة الدنيا ليس هو علامة محبة الله تعالي للعبد وإنما التوفيق إلي إتباع شرائع الدين هو الكرامة الحقيقية وهو علاقة رضا الله عنه.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــ