التمايل والتحرك عند الذكر وتلاوة القرآن
للشيخ أبو يزيد بن صفية المدني الجزائري
إنّ من البدع المنكرة التي أحدثها المتصوّفة, وتبعهم في ذلك فئام من الناس, هو التمايل والاهتزاز حال الذكر وتلاوة القرآن.
واعلم رحمني الله وإياك, أنّ للذكر على الجوارح سمتاً ودلاً, وخشوعاً واستكانة, مصداقاً لقوله تعالى: {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُتَشَابِهاً مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ}.
ولكن وجد في بعض المتصوفة -خاصة فيما يسمونه الحضرة-, وبعض التالين لكتاب الله تعالى تحركاً واضطراباً واهتزازاً وتمايلاً حال قراءة القرآن والذكر, وهو منكر ولا ريب.
وإليك أخي اللبيب طرفاً من الأدلة الشرعية الدالة على بدعية هذا الأمر ونكارته:
1-إنّ الأصل في العبادة التوقف, والذكر هو أصل العبادة وأسّها, فلا يجوز إحداث شيء في الذكر دون دليل, سواء في مضمونه, أو في وقته أو في هيأته.
مصداقاً لما روته عائشة رضي الله عنه أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه, فهو رد) (متفق عليه).
2-أنّ هذا الفعل مناف للخشوع والخضوع مع القرآن والذكر, بل فاعل ذلك يعد من المستهزئين لا محالة بالقرآن والذكر.
ويحضرني هنا مقالاً قرأته قبل سنين, عن راقص نصراني أسلم, فلما سئل عن سبب إسلامه قال: منذ أمد وأنا أبحث عن المزاوجة بين الروحانيات والرقص حتى رأيت الصوفية يتراقصون مع الذكر, فأسلمت لذلك وصرت متصوفاً؟؟!!!!.
3- ليس ثمة دليل يجيز هذا الفعل الشنيع, اللهم إلاّ أثر منكر روي بإسناد مظلم:
فقد أخرجه أبو نعيم في الحلية من طريق محمد بن يزيد أبي هشام:ثنا المحاربي عن مالك بن مغول عن رجل من (جعفى) عن السدي عن أبي أراكة عن علي أنه قال وهو يصف أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: "كانوا إذا ذكروا الله مادوا كما تميد الشجرة في يوم ريح" ومادوا أي: تحركوا واضطربوا.
قال الألباني رحمه الله: هذا إسناد ضعيف مظلم (السلسلة الصحيحة(3/307).
4-أنكر الصحابة رضي الله عنهم التمايل والاضطراب والحركة حال الذكر وقراءة القرآن, ومن هذه الآثار:
عن أسماء بنت أبي بكر عن أم رومان قالت رآني أبو بكر أتميل في الصلاة فزجرني زجرة كدت أنصرف من صلاتي" رواه أبو نعيم في حلية الأولياء.
5- أنّ هذا الفعل, أعني: التحرك أثناء تلاوة القرآن والذكر, فيه تشبه باليهود والرافضة.
فأنت ترى اليهود عند حائط البراق, أو حائط المبكى يتمايلون ويتحركون عند ترنيمهم لتوراتهم.
والأمر ذاته عند الرافضة بعد انتهائهم من الصلاة يحركون أيديهم حال ذكرهم لدعائهم الآثم, المسمى بدعاء صنمي قريش -يسبون فيه أبا بكر وعمر وسائر الصحابة-.
- نقل عن الشعبي رحمه الله كثيراً من وجوه الشبه بين اليهود والرافضة ومنها قوله ( واليهود تنود في صلاتها وكذلك الرافضة ) 1 منهاج السنة /31. تنود: أي تتحرك.
- قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "واليهود تنود في الصلاة وكذلك الرافضة" منهاج السنة 1/ 25..
- قال الزمخشري: "لما نشر موسى عليه السلام الألواح وفيها كتاب الله تعالى , لم يبق شجر , ولا جبل , ولا حجر إلا اهتز .فلذلك لا ترى يهودياً يقرأ التوراة إلا اهتز وانغض لها رأسه" الكشّاف " 2/102.
6-وقد عدّ العلامة بكر أبو زيد رحمه الله هذا الفعل -أي: التحرك حال التلاوة والذكر- من بدع القراء.
قال رحمه الله: " اشتدت كلمة علماء الأندلس في النكير على: التمايل, والاهتزاز, والتحرك, عند قراءة القرآن, وأنها بدعة يهود, تسربت إلى المشارقة المصريين, ولم يكن شيء من ذلك مأثوراً عن صالح سلف هذه الأمة.
وقد ألف ناصر السنة ابن أبي زيد القيرواني م 386هـ رحمه الله كتاب " من تأخذه عند قراءة القرآن حركة" ولا ندري من خبر هذا الكتاب شيئاً" بدع القراء القديمة و المعاصرة, ص 31.
وفي الختام أوصيك أخي الحبيب بالتزام سمت السلف الصالح الذي مدحهم الله في كتابه عند تلاوتك للقرآن وحال ذكرك للرحمن, حتى لا يذهب أجر عملك, وحتى لا تشبهن بفعلك فعل اليهود وإخوانهم من المجوس.
والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.