فقــــ العتاب بين الأخوة والأصحاب ــــه
قال الفضيل: الفتوة الصفح عن عثرات الإخوان( ).
وعن عليّ رضي الله عنه في قوله تعالى: فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ [الحجر: 85] قال: الرضى بغير عتاب( ).
وما أحسن قول الشاعر:
فالأخ قد يعاتب أخاه أحيانًا بتلطف وتودد، ولكن يكره له المعاتبة في الصغيرة والكبيرة، بل ليصفح دون معاتبة وليغض الطرف عن بعض ما يعده من الهفوات، أو يتغابى ـ إن صح التعبير ـ أو يتعامى عنها على حد قول الطائي:
وذلك لأن كثرة المعاتبة والإحراج مما يفضي إلى قطع المودة؛ لأن ذلك يشعر أخاك أنك لا تتحمل أدنى شيء منه، أو أنك دائمًا تسيء به الظن، أو تنظر إليه على أنه مقصر في حقك، وتوشك إذا مضيت على هذه الطريقة أن لا تجد من تعاتبه أقصد أن لا تجد صديقًا مصاحبًا.
على حد قول القائل:
أغمِضْ للصديقِ عن المسَاوِي=مخافَةَ أن أعيشَ بلا صَدِيقِ
وقال غيره وقد أجاد:
وقال آخر:
ا
فاعلم أولاً أنه لابد من القناعة في طلب مواصفات الصديق، وأنك لن تجد صديقًا ليس في وده خلل، وأنت كذلك لا تخلو من نقص، فاقبل في أخيك ما قبله فيك، وإلا دام غمك وطال همك ولن تظفر بمطلوبك...
قال الفضيل بن عياض رحمه الله: من طلب أخًا بلا عيب بقي بلا أخ( ).
وقد أجاد من قال:
(فلا يوجد صديق بلا عيوب، ولذا قال الشاعر:
وقد نكره أشياء في بعض الناس ولكن عندما نفتقدهم ونخالط من هم أسوأ منهم ندرك الخير الذي كان فيهم ولم نعبأ به، يقول الشاعر:
وقال آخر( ):
فمن حسن الفهم إذًا ومن الفطنة أن توقن أنه لا يخلو صاحب من نقص، فالبشر هم البشر:
وأنشد بعضهم:
وقد قالت الحكماء: أي عالم لا يهفو، وأي صارم لا ينبو، وأي جواد لا يكبو.
وقالوا: من حاول صديقًا يأمن زلته ويدوم اغتباطه به كان كضال الطريق الذي لا يزداد لنفسه إتعابًا إلا ازداد من غايته بعدًا.
وقال بعض البلغاء: لا يزهدنّك في رجل حمدت سيرته، وارتضيت وتيرته، وعرفت فضله، وبطنت عقله عيب تحيط به كثرة فضائله، أو ذنب صغير تستغفر له قوة وسائله، فإنك لن تجد ـ ما بقيت ـ مهذبًا لا يكون فيه عيب، ولا يقع منه ذنب، فاعتبر نفسك بعد أن لا تراها بعين الرضا، ولا تجري فيها على حكم الهوى، فإن في اعتبارك واختيارك لها ما يؤيسك مما تطلب، ويعطفك على من يذنب.
وما أبلغ قول الكندي: نفس الإنسان التي هي أخص النفوس به ومدبَّرة باختياره وإرادته لا تعطيه قيادها في كل ما يريد، ولا تجيبه إلى طاعته في كل ما يحب، فكيف بنفس غيره؟! وحسبك أن يكون لك من أخيك أكثره.
ولذا قال الماوردي رحمه الله: من حق الإخوان أن تغفر هفوتهم وتستر زلتهم؛ لأن من رام بريئًا من الهفوات، سليمًا من الزلات رام أمرًا مُعوِزًا واقترح وصفًا معجزًا.
وعن عبد الله بن المبارك قال: إذا غلبت محاسن الرجل على مساوئه لم تذكر المساوئ، وإذا غلبت المساوئ عن المحاسن لم تذكر المحاسن.
(والمقصود أن من غلب خيرُهُ شرَّه وُهب نقصُه لفضله، وأنك إن طلبت منزهًا عن كل عيب لم تجد، ومن غلبت محاسنه على مساوئه فهو الغاية).
.
وينبني على هذا الكلام أن تعلم أن من حسن المودة وحقوقها العفو والإغضاء عن التقصير، قال الحسن بن وهب: من حقوق المودة أخذ عفو الإخوان، والإغضاء عن أي تقصير كان.وقال أحدهم:
وحكى الأصمعي عن بعض الأعراب أنه قال: تناس مساوئ الإخوان يدُم لك ودهم.
فلا تدفعنك هفوة بدرت من أخيك إلى قطعه وتركه، وقد قال رسول الله : ((ليس الواصل بالمكافئ ولكن الواصل الذي إذا قطعت رحمه وصلها)).
وقال الشاعر:
وقال آخر:
فتغافل عن هفوات أخيك طلبًا لدوام الألفة، وهذا من الفطنة ووفور العقل...
قال بعض الحكماء: وجدت أكثر أمور الدنيا لا تجوز إلا بالتغافل.
وقال أكثم بن صيفي: من شدَّد نفَّر، ومن تراخَ تألف، والشرف في التغافل.
وقال شبيب بن شيبة: الأريب العاقل هو الفطن المتغافل.
وقد تغافل أقوام عن أذى الأعداء فكيف بالأصدقاء!!
فلا ينبغي بحال أن يطول الهجران أو ينقطع التواصل بين الإخوان لموقف أو هفوة مما لا تخلو منه عشرة بين الأصحاب...
وما اجمل قول الشاعر
وإذًا فإذا بدرت من أخيك إساءة أو خطأ في حقك فإما أن تتجاوز عن ذلك وتتغافل إن قدرت عليه مع طيب نفسك وصفائها، وإلا فعليك بمعاتبته في ود كما قال أبو الدرداء رضي الله عنه: معاتبة الأخ خير من فقده، ومن لك بأخيك كله( ).
وهذا يقودنا إلى الكلام عن فقه المعاتبة:
فأحيانًا نقرأ كلامًا منقولاً عن بعض الصالحين في استحباب ترك العتاب بين الأحبة، وأحيانًا يجعلون المعاتبة من حسن الصحبة، فما الضابط في هذه المسألة؟
منقول للفائدة
قال الفضيل: الفتوة الصفح عن عثرات الإخوان( ).
وعن عليّ رضي الله عنه في قوله تعالى: فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ [الحجر: 85] قال: الرضى بغير عتاب( ).
وما أحسن قول الشاعر:
إذا كنتَ في كل الأمـورِ معاتبًـاخليلَك لم تلـقَ الـذي لا تُعَاتِبُـه
فعِشْ واحدًا أو صِلْ أخـاك فإنـهمقـارِفُ ذنْـبٍ مـرةً ومُجَانِبُـه
إذا أنْتَ لمْ تشْرَب مرارًا على القَذىظَمِئْتَ، وأيُّ الناس تصفو مَشَارِبه
ومن ذا الذي ترضى سجاياه كلهاكفى بالمرءِ نبلاً أن تُعَـدَّ معايِبُـه
فعِشْ واحدًا أو صِلْ أخـاك فإنـهمقـارِفُ ذنْـبٍ مـرةً ومُجَانِبُـه
إذا أنْتَ لمْ تشْرَب مرارًا على القَذىظَمِئْتَ، وأيُّ الناس تصفو مَشَارِبه
ومن ذا الذي ترضى سجاياه كلهاكفى بالمرءِ نبلاً أن تُعَـدَّ معايِبُـه
فالأخ قد يعاتب أخاه أحيانًا بتلطف وتودد، ولكن يكره له المعاتبة في الصغيرة والكبيرة، بل ليصفح دون معاتبة وليغض الطرف عن بعض ما يعده من الهفوات، أو يتغابى ـ إن صح التعبير ـ أو يتعامى عنها على حد قول الطائي:
ليس الغَبيُّ بسيدٍ في قوْمِهلكن سيَّد قومِه المتُغَابِـي
وذلك لأن كثرة المعاتبة والإحراج مما يفضي إلى قطع المودة؛ لأن ذلك يشعر أخاك أنك لا تتحمل أدنى شيء منه، أو أنك دائمًا تسيء به الظن، أو تنظر إليه على أنه مقصر في حقك، وتوشك إذا مضيت على هذه الطريقة أن لا تجد من تعاتبه أقصد أن لا تجد صديقًا مصاحبًا.
على حد قول القائل:
أغمِضْ للصديقِ عن المسَاوِي=مخافَةَ أن أعيشَ بلا صَدِيقِ
وقال غيره وقد أجاد:
ومن لا يغْمِض عينَه عن صَدِيقِـهوعن بعضِ ما فيه يمت وهو عَاتِبُ
ومن يتتبـع جاهـدًا كـل عثـرةيجدْها ولا يسْلمُ له الدهْر صاحـبُ
ومن يتتبـع جاهـدًا كـل عثـرةيجدْها ولا يسْلمُ له الدهْر صاحـبُ
وقال آخر:
ا
اقْبَـل أخـاك ببعْـضِـهقد يُقْبَلُ المعروف نـزرًا
واقْبـلْ أخــاك فـإنـهإن ساءَ عصْرًا سرّ عصرًا
واقْبـلْ أخــاك فـإنـهإن ساءَ عصْرًا سرّ عصرًا
فاعلم أولاً أنه لابد من القناعة في طلب مواصفات الصديق، وأنك لن تجد صديقًا ليس في وده خلل، وأنت كذلك لا تخلو من نقص، فاقبل في أخيك ما قبله فيك، وإلا دام غمك وطال همك ولن تظفر بمطلوبك...
قال الفضيل بن عياض رحمه الله: من طلب أخًا بلا عيب بقي بلا أخ( ).
وقد أجاد من قال:
عاشِرْ أخاك على ما كان من خُلقٍواحفظْ مودَّتَه بالغيبِ ما وَصَـلا
فأطولُ الناسِ غمًا من يريدُ أخًـاذا خِلَّة لا يرى فـي وُده خَلَـلا
فأطولُ الناسِ غمًا من يريدُ أخًـاذا خِلَّة لا يرى فـي وُده خَلَـلا
(فلا يوجد صديق بلا عيوب، ولذا قال الشاعر:
لايُزهدنَّك فـي أخٍ لـكأن تــراهُ زلَّ زَلَّــه
ما من أخِ لَـكَ لا يُعـابولو حرِصتَ الحرصَ كله
ما من أخِ لَـكَ لا يُعـابولو حرِصتَ الحرصَ كله
وقد نكره أشياء في بعض الناس ولكن عندما نفتقدهم ونخالط من هم أسوأ منهم ندرك الخير الذي كان فيهم ولم نعبأ به، يقول الشاعر:
بكيتُ من عمروٍ فلمـا تركتُـهوجربْتُ أقوامًا بكَيْتُ على عمْروٍ
وقال آخر( ):
عتبتُ على سلْمٍ فلمّـا فقدتُـهوجرَّبْتُ أقوامًا بكيتُ على سَلْمٍ
فمن حسن الفهم إذًا ومن الفطنة أن توقن أنه لا يخلو صاحب من نقص، فالبشر هم البشر:
هم النَّاس والدنيا ولابدَّ من قَّـذَىيُلِـمُّ بعيـن أو يكـدَّرُ مشْـرَبَـا
ومن قلةِ الإنصافِ أنك تبتغي المهُذبَ في الدنيـا ولسـتَ المهذَّبـا
ومن قلةِ الإنصافِ أنك تبتغي المهُذبَ في الدنيـا ولسـتَ المهذَّبـا
وأنشد بعضهم:
لا يؤيسنّك من صديـق نبـوةيَنْبُو الفتى وهو الجَوَادُ الخضرمُ
فـإذا نَبَـا فاستبْقِـه وتـأنَّـهحتى تفيء به وطبعُـك أكـرمُ
فـإذا نَبَـا فاستبْقِـه وتـأنَّـهحتى تفيء به وطبعُـك أكـرمُ
وقد قالت الحكماء: أي عالم لا يهفو، وأي صارم لا ينبو، وأي جواد لا يكبو.
وقالوا: من حاول صديقًا يأمن زلته ويدوم اغتباطه به كان كضال الطريق الذي لا يزداد لنفسه إتعابًا إلا ازداد من غايته بعدًا.
وقال بعض البلغاء: لا يزهدنّك في رجل حمدت سيرته، وارتضيت وتيرته، وعرفت فضله، وبطنت عقله عيب تحيط به كثرة فضائله، أو ذنب صغير تستغفر له قوة وسائله، فإنك لن تجد ـ ما بقيت ـ مهذبًا لا يكون فيه عيب، ولا يقع منه ذنب، فاعتبر نفسك بعد أن لا تراها بعين الرضا، ولا تجري فيها على حكم الهوى، فإن في اعتبارك واختيارك لها ما يؤيسك مما تطلب، ويعطفك على من يذنب.
وما أبلغ قول الكندي: نفس الإنسان التي هي أخص النفوس به ومدبَّرة باختياره وإرادته لا تعطيه قيادها في كل ما يريد، ولا تجيبه إلى طاعته في كل ما يحب، فكيف بنفس غيره؟! وحسبك أن يكون لك من أخيك أكثره.
ولذا قال الماوردي رحمه الله: من حق الإخوان أن تغفر هفوتهم وتستر زلتهم؛ لأن من رام بريئًا من الهفوات، سليمًا من الزلات رام أمرًا مُعوِزًا واقترح وصفًا معجزًا.
وعن عبد الله بن المبارك قال: إذا غلبت محاسن الرجل على مساوئه لم تذكر المساوئ، وإذا غلبت المساوئ عن المحاسن لم تذكر المحاسن.
(والمقصود أن من غلب خيرُهُ شرَّه وُهب نقصُه لفضله، وأنك إن طلبت منزهًا عن كل عيب لم تجد، ومن غلبت محاسنه على مساوئه فهو الغاية).
فلسْت براءٍ عيب ذي الـوُدَّ كلـهولا بعض ما فيه إذا كنت راضِيًا
وعينُ الرضا عن كلَّ عيب كليلةكما أن عينَ السخط تُبدي المساويا
وعينُ الرضا عن كلَّ عيب كليلةكما أن عينَ السخط تُبدي المساويا
.
وينبني على هذا الكلام أن تعلم أن من حسن المودة وحقوقها العفو والإغضاء عن التقصير، قال الحسن بن وهب: من حقوق المودة أخذ عفو الإخوان، والإغضاء عن أي تقصير كان.وقال أحدهم:
أحِبُّ من الإخـوانِ كـلّ مواتـيوكل غضِيضِ الطرفِ عن عَثَراتي
وحكى الأصمعي عن بعض الأعراب أنه قال: تناس مساوئ الإخوان يدُم لك ودهم.
فلا تدفعنك هفوة بدرت من أخيك إلى قطعه وتركه، وقد قال رسول الله : ((ليس الواصل بالمكافئ ولكن الواصل الذي إذا قطعت رحمه وصلها)).
وقال الشاعر:
وصِلِ الكرامَ إذا رمَوْك بجفوةٍفالصفحُ عَنْهم والتجاوُزْ أصْوبُ
وقال آخر:
من لي بإنسانٍ إذا أغضبْتُه ورضيتُكــان الـحـلـمُ ردَّ جَـوَابِــه
فتغافل عن هفوات أخيك طلبًا لدوام الألفة، وهذا من الفطنة ووفور العقل...
قال بعض الحكماء: وجدت أكثر أمور الدنيا لا تجوز إلا بالتغافل.
وقال أكثم بن صيفي: من شدَّد نفَّر، ومن تراخَ تألف، والشرف في التغافل.
وقال شبيب بن شيبة: الأريب العاقل هو الفطن المتغافل.
وقد تغافل أقوام عن أذى الأعداء فكيف بالأصدقاء!!
فلا ينبغي بحال أن يطول الهجران أو ينقطع التواصل بين الإخوان لموقف أو هفوة مما لا تخلو منه عشرة بين الأصحاب...
تواصُلُنا على الأيامِ باقٍوَلكِنْ هجْرنا مطَرُ الربِيع
يروعُكَ صوبُه لَكِنْ تراهُعلى عِلاتِه داني النزوعِ
يروعُكَ صوبُه لَكِنْ تراهُعلى عِلاتِه داني النزوعِ
وما اجمل قول الشاعر
هبْنِي أسأتُ كمَا زعـمتَ، فأين عاطفةُ الأخُوَّة
أو إن أسأتَ كمـا أسـأت، فأين فضلك والمُرُوَّة
أو إن أسأتَ كمـا أسـأت، فأين فضلك والمُرُوَّة
وإذًا فإذا بدرت من أخيك إساءة أو خطأ في حقك فإما أن تتجاوز عن ذلك وتتغافل إن قدرت عليه مع طيب نفسك وصفائها، وإلا فعليك بمعاتبته في ود كما قال أبو الدرداء رضي الله عنه: معاتبة الأخ خير من فقده، ومن لك بأخيك كله( ).
وهذا يقودنا إلى الكلام عن فقه المعاتبة:
فأحيانًا نقرأ كلامًا منقولاً عن بعض الصالحين في استحباب ترك العتاب بين الأحبة، وأحيانًا يجعلون المعاتبة من حسن الصحبة، فما الضابط في هذه المسألة؟
منقول للفائدة