واعـظ على فـراش المـوت
عندما يمرض الإنسان فإنه لا يهتم إلا بنفسه ، بل هو محتاج إلى من يهتم به .
فكيف إذا كان على فراش الموت ، وهو يُعاين الهلاك ؟
لكن هذا الواعظ ما انشغل عن رسالته بمرض الموت
بل ولا بالموت الذي وقف على مشارفه
فما ترك الأمر والنهي ، ولا ترك الوعظ وهو على فراش موته
ذلكم هو المُحدَّث المُلهم
ذلكم هو عمر بن الخطاب رضي الله عنه
الذي طعنته يد الغدر المجوسية ففار الدم فوراناً ، وكأنه عين تفجّرت .
حتى إنه لما سُقي اللبن خرج من جُرحه
فقال : ما أراني إلا ميت .
أخبر المسور بن مخرمة أنه دخل على عمر بن الخطاب رضي الله عنه بعد أن صلى الصبح من الليلة التي طعن فيها ، فأُوقظ عمر ، فقيل له : الصلاة يا أمير المؤمنين ، فقال عمر : نعم ، ولا حظّ في الإسلام لمن ترك الصلاة ، فصلى عمر وجرحه يثعب دما . رواه الإمام مالك .
فما ترك رسالته وعمله وصلاته ، وهو يقف على عتبة الهلاك
ودخل عليه ابن عباس رضي الله عنهما وقد وُضع عمر على سريره ، فتكنفه الناس يدعون ويُصلون قبل أن يُرفع ، وأنا فيهم ، فلم يرعني إلا رجل آخذ منكبي فإذا علي بن أبي طالب فترحّم على عمر وقال : ما خلّفت أحداً أحب إلي أن ألقي الله بمثل عمله منك ، وأيم الله إن كنت لأظن أن يجعلك الله مع صاحبيك ، وحسبت إني كنت كثيراً أسمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول : ذهبت أنا وأبو بكر وعمر ، ودخلت أنا وأبو بكر وعمر ، وخرجت أنا وأبو بكر وعمر . رواه البخاري .
وفي تلك الحال دخل عليه شاب فجعل الشاب يُثني عليه ، فرآه عمر يجر إزاره ، فقال له : يا ابن أخي ! ارفع إزارك ، فإنه أتقى لربك ، وأنقى لثوبك . فكان عبد الله بن مسعود رضي الله عنه يقول : يا عجبا لعمر ! إن رأى حق الله عليه ، فلم يمنعه ما هو فيه أن تكلم به . رواه ابن أبي شيبة .
وولج عليه شاب من الأنصار فقال : أبشر يا أمير المؤمنين ببشرى الله ؛ كان لك من القدم في الإسلام ما قد علمت ، ثم استخلفت فعدلت ، ثم الشهادة بعد هذا كله ، فقال : ليتني يا ابن أخي وذلك كفافا لا عليّ ولا لي . أوصي الخليفة من بعدي بالمهاجرين الأولين خيرا أن يعرف لهم حقهم ، وأن يحفظ لهم حرمتهم ، وأوصيه بالأنصار خيرا ( وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ ) أن يقبل من محسنهم ، ويعفي عن مسيئهم ، وأوصيه بذمة الله وذمة رسوله صلى الله عليه وسلم أن يوفى لهم بعهدهم ، وأن يُقاتل من ورائهم ، وأن لا يُكلفوا فوق طاقتهم . رواه البخاري .
ولما أثنوا عليه لم يُعجبه ذلك ، فردّ عليهم .
فقد أثنوا عليه ، فقال : راغب وراهب ، وددت أني نجوت منها كفافا لا لي ولا عليّ . رواه البخاري .
وفي رواية للبخاري :
عن عمرو بن ميمون قال : فاحتُمل إلى بيته ، فانطلقنا معه وكأن الناس لم تصبهم مصيبة قبل يومئذ ، فقائل يقول : لا بأس ، وقائل يقول : أخاف عليه ، فأُتي بنبيذ فشربه فخرج من جوفه ، ثم أُتي بلبن فشربه فخرج من جرحه ، فعلموا أنه ميت ، فدخلنا عليه ، وجاء الناس فجعلوا يُثنون عليه ، وجاء رجل شاب ، فقال : أبشر يا أمير المؤمنين ببشرى الله لك من صحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقدم في الإسلام ما قد علمت ، ثم وليت فعدلت ، ثم شهادة . قال : وددت أن ذلك كفاف لا علي ولا لي ، فلما أدبر إذا إزاره يمس الأرض . قال : ردّوا عليّ الغلام . قال : ابن أخي ! ارفع ثوبك ، فإنه أنقى لثوبك ، وأتقى لربك . يا عبد الله بن عمر انظر ما عليّ من الدين .
فرضي الله عن عمر وأرضاه لقد كان آمراً بالمعروف ناهياً عن المنكر وهو على فراش الموت .
أليس لنا فيه قدوة ، ونحن في أتم صحة وعافية ؟!
إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو صمام الأمان لهذه الأمة .
وهو سبب خيريّتها بين الأمم .
كتبه
عبد الرحمن بن عبد الله السحيم
عندما يمرض الإنسان فإنه لا يهتم إلا بنفسه ، بل هو محتاج إلى من يهتم به .
فكيف إذا كان على فراش الموت ، وهو يُعاين الهلاك ؟
لكن هذا الواعظ ما انشغل عن رسالته بمرض الموت
بل ولا بالموت الذي وقف على مشارفه
فما ترك الأمر والنهي ، ولا ترك الوعظ وهو على فراش موته
ذلكم هو المُحدَّث المُلهم
ذلكم هو عمر بن الخطاب رضي الله عنه
الذي طعنته يد الغدر المجوسية ففار الدم فوراناً ، وكأنه عين تفجّرت .
حتى إنه لما سُقي اللبن خرج من جُرحه
فقال : ما أراني إلا ميت .
أخبر المسور بن مخرمة أنه دخل على عمر بن الخطاب رضي الله عنه بعد أن صلى الصبح من الليلة التي طعن فيها ، فأُوقظ عمر ، فقيل له : الصلاة يا أمير المؤمنين ، فقال عمر : نعم ، ولا حظّ في الإسلام لمن ترك الصلاة ، فصلى عمر وجرحه يثعب دما . رواه الإمام مالك .
فما ترك رسالته وعمله وصلاته ، وهو يقف على عتبة الهلاك
ودخل عليه ابن عباس رضي الله عنهما وقد وُضع عمر على سريره ، فتكنفه الناس يدعون ويُصلون قبل أن يُرفع ، وأنا فيهم ، فلم يرعني إلا رجل آخذ منكبي فإذا علي بن أبي طالب فترحّم على عمر وقال : ما خلّفت أحداً أحب إلي أن ألقي الله بمثل عمله منك ، وأيم الله إن كنت لأظن أن يجعلك الله مع صاحبيك ، وحسبت إني كنت كثيراً أسمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول : ذهبت أنا وأبو بكر وعمر ، ودخلت أنا وأبو بكر وعمر ، وخرجت أنا وأبو بكر وعمر . رواه البخاري .
وفي تلك الحال دخل عليه شاب فجعل الشاب يُثني عليه ، فرآه عمر يجر إزاره ، فقال له : يا ابن أخي ! ارفع إزارك ، فإنه أتقى لربك ، وأنقى لثوبك . فكان عبد الله بن مسعود رضي الله عنه يقول : يا عجبا لعمر ! إن رأى حق الله عليه ، فلم يمنعه ما هو فيه أن تكلم به . رواه ابن أبي شيبة .
وولج عليه شاب من الأنصار فقال : أبشر يا أمير المؤمنين ببشرى الله ؛ كان لك من القدم في الإسلام ما قد علمت ، ثم استخلفت فعدلت ، ثم الشهادة بعد هذا كله ، فقال : ليتني يا ابن أخي وذلك كفافا لا عليّ ولا لي . أوصي الخليفة من بعدي بالمهاجرين الأولين خيرا أن يعرف لهم حقهم ، وأن يحفظ لهم حرمتهم ، وأوصيه بالأنصار خيرا ( وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ ) أن يقبل من محسنهم ، ويعفي عن مسيئهم ، وأوصيه بذمة الله وذمة رسوله صلى الله عليه وسلم أن يوفى لهم بعهدهم ، وأن يُقاتل من ورائهم ، وأن لا يُكلفوا فوق طاقتهم . رواه البخاري .
ولما أثنوا عليه لم يُعجبه ذلك ، فردّ عليهم .
فقد أثنوا عليه ، فقال : راغب وراهب ، وددت أني نجوت منها كفافا لا لي ولا عليّ . رواه البخاري .
وفي رواية للبخاري :
عن عمرو بن ميمون قال : فاحتُمل إلى بيته ، فانطلقنا معه وكأن الناس لم تصبهم مصيبة قبل يومئذ ، فقائل يقول : لا بأس ، وقائل يقول : أخاف عليه ، فأُتي بنبيذ فشربه فخرج من جوفه ، ثم أُتي بلبن فشربه فخرج من جرحه ، فعلموا أنه ميت ، فدخلنا عليه ، وجاء الناس فجعلوا يُثنون عليه ، وجاء رجل شاب ، فقال : أبشر يا أمير المؤمنين ببشرى الله لك من صحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقدم في الإسلام ما قد علمت ، ثم وليت فعدلت ، ثم شهادة . قال : وددت أن ذلك كفاف لا علي ولا لي ، فلما أدبر إذا إزاره يمس الأرض . قال : ردّوا عليّ الغلام . قال : ابن أخي ! ارفع ثوبك ، فإنه أنقى لثوبك ، وأتقى لربك . يا عبد الله بن عمر انظر ما عليّ من الدين .
فرضي الله عن عمر وأرضاه لقد كان آمراً بالمعروف ناهياً عن المنكر وهو على فراش الموت .
أليس لنا فيه قدوة ، ونحن في أتم صحة وعافية ؟!
إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو صمام الأمان لهذه الأمة .
وهو سبب خيريّتها بين الأمم .
كتبه
عبد الرحمن بن عبد الله السحيم