محمد (صلى الله عليه وسلم) في نظر الغرب
علاء عبد الحميد ناجي من جريدة الشعب المصرية
يمكن لمن يريد أن يبحث في الصورة الذهنية التي يتفاعل من خلالها اليمين في الغرب مع الإسلام والمسلمين أن يربط هذه الصورة بحدث مهم في عام 850 م في الأندلس، وهو ما يعرفه الغربيون بحدث "شهداء قرطبة"، عندما قام رجل يدعى بيرفيكتوس بشتم الرسول صلى الله عليه وسلم علنا في السوق، فقبض عليه، وأطلقه القاضي رغم أن العقوبة المعلنة لمثل هذا الفعل في ذلك الزمن كانت الإعدام، إلا أن بيرفيكتوس أصر على موقفه فعاد لفعلته مرة ثانية فثالثة، حيث صدر بحقه حكم الإعدام.
هذه الحادثة أثارت رغبة 50 شخصا في "الشهادة" وفقا لذات الطريقة فكانوا يذهبون لمجلس القاضي ويشتمون النبي صلى الله عليه وسلم في حضرته فيردهم مرة وأخرى ثم يصدر بحقهم حكم الإعدام.
كان أولئك الشهداء (على حد تعريف التاريخ الغربي) من جيل الصحوة الكنسية الذين أفاقوا فجأة ليجدوا أنهم قد بدأوا ينسلخون من جلدتهم ويستعربون أو يتأسلمون، حتى في ملابسهم وعاداتهم فحاولوا أن يعودوا لدينهم بشيء من التطرف.
إشارتي إلى هؤلاء لا تعني أن هذا هو أول احتكاك بين المسلمين والغرب، ولكني أشير إلى هذه الحادثة لأنها تمثل صورة لبدايات التطرف الصليبي وهي تستند على أساس أن بعثة محمد صلى الله عليه وسلم هي مبادئ مقدم المسيح المخلص وأن دولة الإسلام أو دولة محمد صلى الله عليه وسلم التي سادت العالم هي دولة الشر التي يجب أن تأتي حتى يأتي المسيح المخلص فيخلص البشرية منها ويقتلهم شر قتلة.
إن اليمين المتطرف في الغرب اليوم تتنازعه كوامن نفسية في داخله لا تختلف كثيرا عن تلك الكوامن التي حركت بيرفيكتوس ورفاقه نحو ما تحركوا إليه من شتم الرسول صلى عليه ربي وسلم، فها هم بعد سنوات طوال من الحكم العلماني ومحاولات بث الديمقراطية من أعلى الهرم إلى أدناه، ومحاولات بث روح شعارات الثورة الفرنسية، يعودون إلى دواخلهم ليجدوا أنهم قد ابتعدوا بعيدا، لقد استيقظوا فجأة كما استيقظ بيرفيكتوس ليجدوا أن
العمالة العربية التي أتاح لها الغرب أن تهاجر إلى أرضه ليستفيد منها ولتستفيد هي بعد أن كانت كالمستجير من الرمضاء بالنار، قد استقرت هناك وتكاثرت دون أن تذوب بشكل كلي في المجتمع، ومازالوا يعيشون في جيتوهات (تجمعات) نفسية وواقعية في معظم تلك الدول التي استقبلتهم.
استيقظوا ليجدوا أن هنالك منهم (الغربيون) من استعرب ومنهم من أسلم، وليجدوا أن الخوف من المد الإسلامي بصيغته الأولى قد بدأ يعاودهم من جديد، فعلى الرغم من أن الغرب قد استطاع أن يتجاوز مشكلة الاختلاف العرقي إلى حد ما إلا أنه لم يستطع حتى الآن أن يهضم فكرة التعايش الديني على الرغم من مظاهر ذلك التعايش السائدة في الغرب.
وهم في هذا لا يتحملون هذه المسؤولية وحدهم بل مسلمو الغرب من العرب يتحملونها معهم سواء بسواء إذ إنهم لم يستطيعوا أيضا أن يتقبلوا وضعهم في المهجر الذي اختاروه، فكانت لهم صحوة تشبه إلى حد كبير صحوة بيرفيكتوس ولكن من منظور مختلف.
إن الغرب في دراساته للدين الإسلامي، غالبا ما يشير إلى المسلمين بعبارة "المحمديون" ويشير إلى الإسلام بأنه "الدين المحمدي" كما يشير إلى الشريعة الإسلامية بأنها "القانون المحمدي"، والغربيون في هذا إنما ينسبون كل ما في الدين إلى أعظم رموزه.
ولكن هذه النسبة كان لها مردود عكسي في التعرف على شخص الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام، إذ إنهم باعتبار تسيدهم الآن وتربعهم على عرش التقدم في العالم، ينظرون إلينا على أننا رمز التخلف، خصوصا إذا أخذنا في الاعتبار تخصص وسائل الإعلام في تأجيج هذه الصورة عن المسلمين.
إن هذه الصورة الإعلامية القاتمة التي يرسمها الغرب عن النبي صلى الله عليه وسلم إنما هي اختزال لصورتنا نحن في أعينهم باعتبارنا أتباع هذا الرمز العظيم.
ولا يتسع المجال هنا للحديث عن الصور، ولكن الذي أريد أن أقوله باختصار إن اليمين المتطرف في الغرب قد وجد في تخلفنا بضاعة رائجة توافق هوى عنده بالنيل من رمز هذا الدين فكان ما كان والذي لن يتوقف عند ما كان، بل وسيكون أسوأ مما كان، "وما تخفي صدورهم أكبر".
علاء عبد الحميد ناجي من جريدة الشعب المصرية
يمكن لمن يريد أن يبحث في الصورة الذهنية التي يتفاعل من خلالها اليمين في الغرب مع الإسلام والمسلمين أن يربط هذه الصورة بحدث مهم في عام 850 م في الأندلس، وهو ما يعرفه الغربيون بحدث "شهداء قرطبة"، عندما قام رجل يدعى بيرفيكتوس بشتم الرسول صلى الله عليه وسلم علنا في السوق، فقبض عليه، وأطلقه القاضي رغم أن العقوبة المعلنة لمثل هذا الفعل في ذلك الزمن كانت الإعدام، إلا أن بيرفيكتوس أصر على موقفه فعاد لفعلته مرة ثانية فثالثة، حيث صدر بحقه حكم الإعدام.
هذه الحادثة أثارت رغبة 50 شخصا في "الشهادة" وفقا لذات الطريقة فكانوا يذهبون لمجلس القاضي ويشتمون النبي صلى الله عليه وسلم في حضرته فيردهم مرة وأخرى ثم يصدر بحقهم حكم الإعدام.
كان أولئك الشهداء (على حد تعريف التاريخ الغربي) من جيل الصحوة الكنسية الذين أفاقوا فجأة ليجدوا أنهم قد بدأوا ينسلخون من جلدتهم ويستعربون أو يتأسلمون، حتى في ملابسهم وعاداتهم فحاولوا أن يعودوا لدينهم بشيء من التطرف.
إشارتي إلى هؤلاء لا تعني أن هذا هو أول احتكاك بين المسلمين والغرب، ولكني أشير إلى هذه الحادثة لأنها تمثل صورة لبدايات التطرف الصليبي وهي تستند على أساس أن بعثة محمد صلى الله عليه وسلم هي مبادئ مقدم المسيح المخلص وأن دولة الإسلام أو دولة محمد صلى الله عليه وسلم التي سادت العالم هي دولة الشر التي يجب أن تأتي حتى يأتي المسيح المخلص فيخلص البشرية منها ويقتلهم شر قتلة.
إن اليمين المتطرف في الغرب اليوم تتنازعه كوامن نفسية في داخله لا تختلف كثيرا عن تلك الكوامن التي حركت بيرفيكتوس ورفاقه نحو ما تحركوا إليه من شتم الرسول صلى عليه ربي وسلم، فها هم بعد سنوات طوال من الحكم العلماني ومحاولات بث الديمقراطية من أعلى الهرم إلى أدناه، ومحاولات بث روح شعارات الثورة الفرنسية، يعودون إلى دواخلهم ليجدوا أنهم قد ابتعدوا بعيدا، لقد استيقظوا فجأة كما استيقظ بيرفيكتوس ليجدوا أن
العمالة العربية التي أتاح لها الغرب أن تهاجر إلى أرضه ليستفيد منها ولتستفيد هي بعد أن كانت كالمستجير من الرمضاء بالنار، قد استقرت هناك وتكاثرت دون أن تذوب بشكل كلي في المجتمع، ومازالوا يعيشون في جيتوهات (تجمعات) نفسية وواقعية في معظم تلك الدول التي استقبلتهم.
استيقظوا ليجدوا أن هنالك منهم (الغربيون) من استعرب ومنهم من أسلم، وليجدوا أن الخوف من المد الإسلامي بصيغته الأولى قد بدأ يعاودهم من جديد، فعلى الرغم من أن الغرب قد استطاع أن يتجاوز مشكلة الاختلاف العرقي إلى حد ما إلا أنه لم يستطع حتى الآن أن يهضم فكرة التعايش الديني على الرغم من مظاهر ذلك التعايش السائدة في الغرب.
وهم في هذا لا يتحملون هذه المسؤولية وحدهم بل مسلمو الغرب من العرب يتحملونها معهم سواء بسواء إذ إنهم لم يستطيعوا أيضا أن يتقبلوا وضعهم في المهجر الذي اختاروه، فكانت لهم صحوة تشبه إلى حد كبير صحوة بيرفيكتوس ولكن من منظور مختلف.
إن الغرب في دراساته للدين الإسلامي، غالبا ما يشير إلى المسلمين بعبارة "المحمديون" ويشير إلى الإسلام بأنه "الدين المحمدي" كما يشير إلى الشريعة الإسلامية بأنها "القانون المحمدي"، والغربيون في هذا إنما ينسبون كل ما في الدين إلى أعظم رموزه.
ولكن هذه النسبة كان لها مردود عكسي في التعرف على شخص الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام، إذ إنهم باعتبار تسيدهم الآن وتربعهم على عرش التقدم في العالم، ينظرون إلينا على أننا رمز التخلف، خصوصا إذا أخذنا في الاعتبار تخصص وسائل الإعلام في تأجيج هذه الصورة عن المسلمين.
إن هذه الصورة الإعلامية القاتمة التي يرسمها الغرب عن النبي صلى الله عليه وسلم إنما هي اختزال لصورتنا نحن في أعينهم باعتبارنا أتباع هذا الرمز العظيم.
ولا يتسع المجال هنا للحديث عن الصور، ولكن الذي أريد أن أقوله باختصار إن اليمين المتطرف في الغرب قد وجد في تخلفنا بضاعة رائجة توافق هوى عنده بالنيل من رمز هذا الدين فكان ما كان والذي لن يتوقف عند ما كان، بل وسيكون أسوأ مما كان، "وما تخفي صدورهم أكبر".