الْفُصُول الْأَرْبَعَة
\
/
\
مَازِلْنَا نُدَوِّر فِي فَلَك الْفُصُول الْأَرْبَعَة
وَقَد تُوْجَد فُصُوْل أُخْرَى تَخْتَلِف مِن شَخْص إِلَى أَخَّر
لَكِن مَا يُوَحِّدُنَا جَمِيْعَا بَان لَدَيْنَا فُصُوْلِا أَرْبَعَة نَتَقاطِع فِيْهَا
جَمِيْعَا وَتِلْك الاخْتِلَافَات تَنْشَأ عَن مَا يَكُنْه
قَلْبِه وَيَحْوِيِه عَقْلِه ..
وَمِن هُنَا تَكُوْن الْمُفَارِقِه مَابَيْن شَخْص يَرَى أَن الْدُّنْيَا جَمِيْلَه لِأَنَّه اسْتَطَاع أَن يَحِل طَلَاسِمُهَا وَيُفَك شَفْرَتَهُا وَيَنْدَمِج مَع تَفَاصِيْلَهَا الْصَّغِيْرَة ويّتَوَحِدَان كنِصفّي قَطَعَه أَسْنَانِهَا لَا تُطَابِق سِوَى ذَلِك الْجُزْء
وَمَابَيْن شَخْص يَرَى أَن تِلْك الْدُّنْيَا مَا هِي إِلَّا جَحِيْم رُمِي فِيْه بِلَا إِدْرَاك وَظِل حَبِيِس سَمَاء بَخِلَت عَلَيْه بِالْسَّعَادَة وَارْض أَجْدَبَت عَلَيْه بِالْفَرَح وَتَاه فِي تَفَاصِيْلَهَا وَاغْرَق نَفْسِه بِاسْتِفْهَامَات جُعِلْت مِن دُنْيَاه جَحِيْم دَائِم
الْصَّيْف ..
تَعُم الْارْض الْحَرَارَه وَيَلُوح فِي الْافُق صَفَار الاشعِه الْحَارْقَه وَالْكُم الْهَائِل مِن الْرِّيَاح الْمُتَعَلِّقَة بِهَا حَبَّات رَمْل تُفْسِد
الْأَجْوَاء لَتَصْعُب عَلَيْه الْتَّنَفُّس
فَتَتَشَقَّق سَطْح العَزَائِم وَتَتَسَاقَط أَوْرَاق الْأَمَل
وَيُقَطِّب حَاجِبَيْه هَمَّا
وَيَتَفَصد جَبِيْنُه حُزْنِا ..
وَتَزُوّغ عَيْنَاه فَلَا تَنْزِل مِنْه مَا يَفْرُغ شَحْنَات الْهَم وَالْحَزَن وَالْأَلَم
وَتَتَوَسَّط الْشَّمْس فِي كُل يَوْم كَبَد الْسَّمَاء فَيَرَى كُل مَن لَبِس حُلَّة الْقَنَاعَة الْبَيْضَاء يَسِيْر بِلَا خَوْف وَلَا وَجَل
إِلَا هُو قَابِع فِي مَكَانِه تُعْيِيْه تِلْك الْأَشِعَّة الْمُسَلَّطَة
حَتَّى يَجْثُم عَلَى رُكْبَتَيْه صَرِيْعَا
مِن تِلْك الْضَّرَبَات الْمَوْهَنَة
فَيُغْمَى عَلَى أَحْلَامِه وَطُمُوْحِه ..
لَا يَقْوَى اسْتِغْلَال تِلْك الْفُرْصَة الَّتِي تَبْسُطُهَا لَه الْطَبِيْعَه
وَتَتَقَاطَر حَبَّات الْنَّدَى عَلَى كُل مَن حَوْلَه ..
إِلَا هُو فَقَد حِيْل بَيْنَه وَبَيْن الرَّبِيْع حَائِل
الرَّبِيْع ..
لَم يَقْوَى عَلَى الْحَرَاك فَقَد دَقَّت أَطْرَافِه بِوِثَاق الْصَّيْف
فَلَم يَنْعَم بِتِلْك الْأَرْض الْخَصْبَة لِلْنَّجَاح و الْخُضْرَة الْيَانِعَة .. وَتِلْك الْأَنْهَار الْجَارِيَة وَالْنَّسْمَه الْعَلِيْل وَالْمَنَاظِر الخَلابَه
وَالْثِّمَار الَّتِي أَيْنَعَت وَيَتَسَابَق عَلَيْهَا الْجَمِيْع و يَقْطِفُهَا مِن حَوْلَه ..
وَهُو عَاجِز كَان قَامَتِه قَد تَقَاصَرَت وَلَم يَسْتَطِع أَن يُرْفَع يَدَيْه
إِلَى الْسَّمَاء لِيَلْتَقِط ثَمَرِه أَو يَمُد يَدَه إِلَى الْأَرْض لِيَلْتَقِط مَا سَقَط مِنْهَا لِأَنَّه فَقَد الْمُرَوَّنَة وَأُصِيْب ظَهْرِه بِالْتَّشَنُّج .. حَتَّى يُفْجَع فِي صَقِيْع الْشِّتَاء
الْشِّتَاء ..
تَتْلُوْن تِلْك الْأَرْض الَّتِي اخْضَرَّت فِي زَمَنُن فَات وَتَكْتَسِي لَوْن الْوَقَار إِلَا مَن الْبُقْعَة الْصَّغِيْرَة الَّتِي تَحْت قَدَمَيْه وَالَّتِي تَشْتَعِل نَارا لِتَصِل إِلَى فُؤَادُه فَتُحَوِّلُه قِطّعَة مُتَجَمِّدَة مِن زَيْت اسْوَد
وَشَرايِينِه وَأَوْرَدَتْه فَتِيْل قَابِل لِلْاشْتِعَال مَتَى مَا احْتَك بِه
احَد مِن رُفْقَتِه الَّتِي وَصَلَت إِلَى الْقِمَّة وَهُو مَازَال حَبِيِس خَطْوَتَه الْأُوْلَى فَالْكَوْن كُلِّه قَد تَغَيَّر مِن حَوْلَه وَكَانُوْا كَالْأَفْلَاك وَالْنُّجُوْم يَسِيْرُوْن فِي مَسَار وَاضِح الْمَعَالِم وَالاتِّجَاهَات .. إِلَا هُو لَم يَمْنَحُه ذَلِك الْشِّتَاء ..
إِلَّا بَيَاض غَزَا مُنْتَصَف شَعْرِه وَوَصْمِه عَلَى عَارِضَيْه وَشَارِبِه ..
وَيَسْتَسْلِم ذَلِك الْجَسَد الْخَائِر إِلَى الْفَصْل الْأَخِير الَّذِي سَيُسْدَل عَلَى تِلْك الْمَسْرَحِيَّة الصَّامْتَة وَالَّتِي لَم يَكُن فِيْهَا إِبْطَال ..
سَوَاء تِلْك الْفُصُول الثَّلَاثَة الَّتِي حَاوَلْت جَذَب ذَلِك الكُوَمُبَارِس لِيَكُوْن الْبَطَل الْحَقِيقِي لِقِصَه هُو مِن يِرْسِم تَفَاصِيْلَهَا وَيُحَدِّد مُسَار نِهَايَتِهَا ..
لَكِنَّه أَبَى أَن يَتَلَقَّى تِلْك الْفُرْصَة وَظِل اعْدَائِه يَتَجَاذِّبُّونَه فِي طَرَفَيْن مُتَعَاكِسَان فَالْخَوْف وَالْيَأْس وَفُقْدَان الْثِقْهِمِن طَرَف وَالْنَّفْس الَّتِي اسْتَسْلَمَت سَرِيْعَا وَبَاتَت عَدْوَتُه الْكُبْرَى وَهُو عَدْوِهَا
لَيُنْهِي مَسْرَحِيَّه بَائِسَة بُوُجُوْم اسْوَد وَأَوْرَاق أَمَل وَطُمُوْح وَأُمْنِيَات صَفْرَاء
الْخَرِيف ..
وَهَذَا الْفَصْل سَيُكْتَب مُرُوْر رَجُل فِي زَمَن لَم يَجْعَل لَه بَصْمَه فَي صَحَائِف هَذِه الْدُّنْيَا
لِتَتَسَاقَط أَوْرَاق لَن يَرَاهَا بِعَيْنِه
شَهَادَة وَفَاتِه
وَرِثَاء
وَحَسْرَة مِن أَقْرِبَائِه ..
وَقُبِر لَن يَخْتَلِف عَلَيْه كَثِيْرا لِأَنَّه انْتَقَل مِن قَبْر إِلَى قَبْر
هِي حُرُوْف قَد تَلَوَّنَت بِأَلْوَان الْفُصُول
لِرَجُل
طُرُق بِمِطْرَقَة الْيَأْس افَقَدِه صَوَابُه وَنَزَع الْحُب مِن قَلْبِه
وَاسْتَسْلَم لِلَأْلَم حَتَّى غُرْبَه عَن وَاقِعِه
وَاعْتَقَد بِأَنَّه الْوَحِيْد مِن سُلْطَة عَلَيْه سِيَاط الْظُّلْم وَالْقَهْر
وَهْنَا تَكْمُن الْحِكَايَة
وَتَتَوَقَّف الْدُّنْيَا بِالْنِّسْبَة لَه ..
لَكِن لِغَيْرِه مَازَالَت الْفُصُول الْأَرْبَعَة مُتَحَرِّكَة وَمَازَالُوا يَسْعَوْن فِي الْأَرْض يَمَلَئِهُم الْحُب وَالْأَمَل وَالْطُّمُوْح وَيَتَحَرَّكُوْن كَعَقَارِب سَاعَة يُطَارِد ثَوَانِيْهَا الْدَّقَائِق وَلَا يَسْتَسْلِمُوْن ..
مما راق لي