سئل الفيلسوف الفرنسي كيتاي ماذا تفعل لو كنت ملكاً؟
فأجاب: لا أفعل شيئاً.. فسئل مرة أخرى..
فمن الذي يحكم إذاً؟ فقال: القانون.


حتى في الصراعات ثمة قوانين تحكمها وتضبط جنونها وترسم حدودها..
لكن لو افترضنا أن كيتاي وجد في لحظة لا يتم فيها احترام القوانين أو في فترة لا تتمكن الدول من تطبيق قوانينها.. فمن الذي يحكم إذاً؟!
لعلي هنا أتوقع جواباً واحداً «الأخلاق» بما تعبر عنه من قيم إنسانية وهي قيم كما قال عنها تايلور: «لا نعرف مجتمعاً بلغ درجة الصفر في مجال الأخلاق».
الآن دعونا ندخل في البحث عن «الأخلاق» في الأزمة التي تعيشها سورية..
فمهما اختلفنا في توصيف الأزمة وتحولاتها وتداعياتها فإنها في المحصلة هي أزمة بلا أخلاق تضبطها أو تخفف من المعاناة الناجمة عنها..
وأعترف مسبقاً أن الاستعانة بالأخلاق لمناقشة الأزمة يعتبر أمراً طوباوياً جداً لكن المؤكد أن ذلك لا يهدف إلى حل الأزمة أخلاقياً بقدر التخفيف من معاناتها وآثارها التي أصابت أخلاق الناس وتوجهاتهم..
ثم إن الشعوب في الأزمات الصعبة تلجأ «لأخلاقها» لترمم فيها بعض الذي يصيبها.. إن كان هذا في المحصلة تعبيراً عن عجز في الاعتماد على وسائل أخرى إلا أن أخلاق المجتمعات عادة ما يكون الحصن الأخير الذي تحتمي فيه من أخطائها.. فأين الأخلاق في الأزمة السورية؟!
أبدأ بالنصف الملآن من الكأس لأقول إن أخلاق المجتمع السوري الذي هو عصارة حضارات آلاف السنين مكنته بعد أكثر من سنة ونصف السنة من أن يضمن عدم تحويل مواقفه المتناقضة إلى صراعات دينية ومذهبية.. وإن انزلاق البعض إلى هذه اللغة أو وجود حالات من هذا النوع لا تعني أكثر من استثناءات في الحدود الطبيعية لبلد يعيش أزمة غير معتادة أبداً.
ثم إن التكافل الاجتماعي أخذ شكلاً جيداً في المرحلة الأولى وإن تراجعاً في الفترة الراهنة لأسباب لها علاقة بالاعتياد وربما الضغط الذي يعانيه أفراد المجتمع بشكل عام..
أما النصف الفارغ من كأس الأخلاق خلال هذه الأزمة فهو مظاهر العنف التي تبدت واضحة في الأزمة.. وهي مظاهر كانت شديدة القسوة لدرجة ما كنا نعتقد أن المجتمع السوري قادر على القيام بها أو تحملها. إنها القدرة على ممارسة العنف وهي أسوأ ما تعرفنا عليه في أنفسنا.
ثم أيضاً من النصف الفارغ.. أن التوكل على الخارج والاستعانة به على سوريين كان من المحرمات السورية لكن الذي حدث أننا سمعنا منذ بدايات الأزمة دعوات وقحة للتدخل الخارجي وهي دعوات ما كانت لتتم في حال وجود أخلاق وطنية تحكم أصحابها!!
أضر ما أقوله عن نقص الأخلاق في الأزمة السورية.. أن أحداً لم يقدم تنازلات تفيد الحل أو تسهله رغم معرفة الجميع أن طبيعة الأشياء.. وليس الأخلاق فحسب تلزم بتقديم تنازلات للمصلحة العامة على حساب المصالح الشخصية.
وأخيراً.. إن الاستعانة بالأخلاق لحل الأزمة أو لمناقشتها ليس أكثر من تعبير عن عجز عن حلها من بوابات أخرى!
رغم أن العلاقة ما بين السياسة والأخلاق علاقة قديمة.. مع الأسف في أزمتنا حدث الطلاق بين السياسة والأخلاق!!

موسيقا حزينة!!
بعد لقاء زياد الرحباني التلفزيوني دخل صوت فيروز في المزاد السياسي.. صارت القصة الذين يحبون فيروز موالاة.... والمعارضة باتت لا تحب صوت فيروز.. والبعض قال طلعت فيروز «شبيحة».... أيها السادة حب صوت فيروز أخلاق!!
وزارة البيئة تتحدث في لوحات إعلانية ضخمة عن أضرار أكياس النايلون على البيئة!!
يا بيئة.. ليس وقتك.. إن كان لا بد.. تحدثي عن أن المزيد من التوابيت يعني قطع أشجار أكثر!!
بالمقابل كانت لوحات وزارة الثقافة جميلة ومعبرة وهي أقوال لأدباء سوريين يتحدثون فيها عن سورية بلغة راقية جداً.
من المؤلم- وغير الأخلاقي- أن تجد سوريين يبتهجون لقصف تركيا لمواقع سورية..
ورغم أني غير مؤمن بتخوين أحد فإني أدعو هؤلاء لفحص مدى إخلاصهم لسورية الوطن بغض النظر عن مواقفهم السياسية.
أن تقصف تركيا مواقع سورية وترضى عن ذلك هو الدرك الأسفل من الأخلاق.
اقتراح للسادة المعارضة الذين يعيشون في الخارج.. كنوع من التضامن مع المهجرين ما رأيكم بقضاء الشتاء بصحبتهم في مخيمات اللجوء.
وأقترح أيضاً على الوزراء وأعضاء مجلس الشعب بقضاء الشتاء في مراكز الإيواء!!
دعونا نر إن كانت مواقفكم تبقى «حارة» في شتاء بارد!!

عبد الفتاح العوض