اجتهاد العاقل فيما يصلحه لازم له بمقتضى العقل و الشرع . فمن ذلك حفظ ماله ، و طلب تنميته ،
و الرغبة في زيادته لأن سبب بقاء الإنسان ماله فقد نهى عن التبذير فيه ،
قال صلى الله عليه و سلم
( نعم المال الصالح للرجل الصالح ).
و قال :

( ما نفعني مال كمال أبي بكر)
و كان أبو بكر رضي الله عنه يخرج إلى التجارة ،
و يترك رسول الله صلى الله عليه و سلم ، فلا ينهاه عن ذلك .
و قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه]:
لأن أموت بين شعبتي جبل أطلب كفاف وجهي
أحب إلي من أن أموت غازياً في سبيل الله
.و كان جماعة من الصحابة رضي الله عنهم يتاجرون .
و من سادات التابعين سعيد بن المسيب ،
مات و خلف مالاً ، و كان يحتكر الزيت . و ما زال السلف على هذا . ثم قد تعرض نوائب كالمرض يحتاج فيها إلى شيء من المال
فلا يجد الإنسان بداً من الاحتيال في طلبه ، فيبذل عرضه أو دينه . ثم للنفس قوة بدنية عند وجود المال ، و هو معدود عند الأطباء من الأدوية .
حكمة وضعها الواضع .
ثم نبغ أقوام طلبوا طريق الراحة فادعوا أنهم متوكلة و قالوا :
نحن لا نمسك شيئاً ، و لا نتزود لسفر ، و رزق الأبدان يأتي . و هذا على مضادة الشرع ،فإن رسول الله صلى الله عليه و سلم نهى عن إضاعة المال . و موسى عليه السلام لما سافر في طلب الخضر تزود . و نبينا صلى الله عليه و سلم لما هاجر تزود .
ثم يدعي هؤلاء المتصوفة بغض الدنيا ،
فلا يفهمون ما الذي ينبغي أن يبغض . و يرون زيادة الطلب للمال حرصاً و شرهاً . و في الجملة إنما اخترعوا بآرائهم طريقاً فيها شيء من الرهبانية
إذا صدقوا و شيء من البهرجة إذا نصبوا شبك الصيد بالتزهد ،
فسموا ما يصل إليهم من الأرزاق فتوحاً . قال ابن قتيبة في غريب الحديث عند شرح و قوله صل الله عليه و سلم : و اليد العليا
قال : هي المعطية . قال : فالمعجب عندي من قوم يقولون هي الأخذة . و لا أرى هؤلاء القوم استطابوا السؤال ،
فهم يحتجون للدناءة ، فأما الشرائع فإنها بريئة من حالهم .
و كان ابن عقيل رحمه الله يقول :
[ من قال إني لا أحب الدنيا فهو كذاب. [
و قال بعض السلف :
[ من ادعى بغض الدنيا فهو عندي كذاب إلى أن يثبت صدقه ،
فإذا ثبت صدقه فهو مجنون .
[

صيد الخاطر لابن الجوزي